ذكريات

لا تسل عن السعادة التي أتفيأ ظلالها الآن… كيف لا أسعد وهي معي؟! نعم… أتينا هذا المكان كلٌ في سيارته، و لكن كنتُ أشعر بها معي… أراني أمسكُ يدها… أعتنقها… تختلط أنفاسي بأنفاسها…الطريق ما الطريق؟ ما أقصره!!أحقاً نلتقي بعد طول غياب؟

يا و يحي و متى تركتني حتى نلتقي؟! إنها معي دائماً… في قلبي… في عيني… في رأسي…كنت و كأني في صلاة بدأت منذ ارتحلنا صباحاً…
أنظر إلى الجبال الممتدة على جانبي الطريق… هذه الجبال الشامخة التي قد سترت سفوحها بتلك الحلة الخضراء… أنظر إليها بطرف ساجٍ، و قلبٍ خاشع، وصمتٍ مطبق…

لقد رأيت هذه الجبال – إي و الله – أمام جلال الحب في قلبي: تُـدكّ دكاً ثم تذروها الرياح كأنها لم تكُ شيئاً… نعم إن لقاء مليكة قلبي لينسيني الجبال و التلال بل إنه ينسيني الدنيا كلها…

نشطت و استخفني الطرب حتى لقد شعرت نفسي بلا وزن و هممتُ أن أقفز إلى أعالي الجبال و ذراها، أقف هناك و أتلو من أناشيد الغرام ما يجعلني أسمو و أسمو حتى أصل إلى جنة الحب فأدخل قصور الوفاء و تجري من تحتي الأنهار… و لا أكاد أتمنى حتى تأتيني فاكهة القلوب و أطايب الطعام… الطعام الروحي… لا طعامكم أيها البشر.

ما طعامكم أيها البشر؟! بل ماعيشكم؟!
إنه أوهام…
تعالوا إلينا لتحيوا… تعالوا إلينا لتسعدوا… و لا يغركم مظهر بؤسنا. فو الله نحن السعداء، و ما السعادة إن لم تكن هي سعادة الأرواح؟

حطننا الرحل وبدأت قصة الحب… بدأت من جديد… بدأت في أعيننا…
أواه… ماكنت أنظرإلى عينيها إلا وشعرت بنارٍ تتقد في جسمي. نارٌ يلهب لظاها فؤادي، و كأني بأضلعي قد يبست وتهشمت… ثم اشتعلت…
في دنيا البشر عدو ثقاب يلهب النار في حطب. ولكن في دنيا القلوب: نظرةٌ تضرم في الصدر ناراً… ناراً لا يطفؤها إلا رضاب المحبوبة، و أنى لي الوصول إلى رضابها؟!

يالله لماذا كُـتب علي الشقاء و لـمّـا يتحمل جسمي متاعب الحياة بعد؟!
أعترف: كنت في فرح يخفيه ألمٌ ظاهر، و مرحٌ يذوب في خوفٍ مضنٍ النفسَ مهلكُـها لا محالة…
و تنقضي ليلة… و نأمل اللقاء…
و الوداع… ما أشد الوداع. و أي وداع هذا… وداع ليل…
ما ودعتُـها إلا و توهمتُ أن عينيها – عيني سعادتي – تدمعان… فأراها تمسح دمعها بأصابعها، فأكاد أفقد عقلي من رأسي و أهم أن ألقِ رأسي على صدرها ,ابثـّها شوقي دمعاً.
لا تبكِ يا حبي – فوالله – إن حبك ليسير في دمي.
كل جزء من جسمي ينبض باسمك… ينادي بصوت يكاد يمزق جلدي فيخرج و يسمع الجميع… لا .. لا ما كان ليهتم بأحد سواك… يريد أن يسمعك أنت فقط:
أحبك… أحبك… أحبك……

آه لقد أصبحتُ لا أدري أحقاً أن عينيها هما عينا سعادتي أم إنهما عينا بؤسي و شقائي… رحمتك بي يا الله.

و إذ الجميع يأكلون… لا أذكر أني…….
و احسرتاه على نفسي!! العشق أطعمني آلاماً و سقاني ما غصصت به أبد الدهر…
و هل من دواء إلا اللقاء… لقائها… و النظر… النظر إليها…
أخالسها النظرة تلو الأخرى… استمد من هذه النظرات الدفء و الحنان… و إذ بالدفء الذي أنشده ينقلب ناراً لا تنطفئ… و ذلك الحنان يصبح وحشة رهيبة تجعلني لا آنسُ بأحد من البشر سواها!!

ما رأيتها إلا و قلبي يخاطبها:

ضميني إليكِ.. أثلجي حرّ فؤادي ببسمة… برشفة..
رضابك… أما و الله ما من شراب هو ألذ عندي منه…
و ما من كأسٍ هي أحبُ إلي من شفتيك..
و عيناك.. هل في الوجود خمرٌ أشد إسكاراً منهما…
و أنا… و احسرتاه… لقد سكرت منهما بلا دنٍّ و لا قدح..

دعيك من قلبي فو الله لا أملك غيره:

و لو كان لي قلبان عشت بواحـــدٍ         و خـلـفـت قلباً في هواك يُــــــــعـذ بُ
و لـكـنـما أحـيـا بـقـلـب مـــــروّعٍ         فلا العيشُ يصفولي ولا الموت يقربُ
و لي ألف وجهٍ قد عرفت مكانـــه        و لكـن بلا قلب إلى أين أذهــــــــــــبُ

و كم اشتهيت أن أضع يدي في يدها فأطير بها، و أتركُ دنيا الناس، و لأعيش في دنيانا نحن…
دنيا سماؤها عرش قلبي، و أرضها زعفران كبدي، ليس فيها نهار، و إنما سَـحَـرٌ كل وقتها.. أما قمر هذه الدنيا فهو محبوبتي!!

الضحكات تعلو و المرح يكثر… هذه طرفة من هنا… و تلك أحدوثة عجيبة من هناك… الجميع مسرورون… نضحك… و نضحك… و … واعجبي كيف أكون ضاحكاً و قلبي حزينٌ باكٍ؟!
أهي ضحكات سخرية من الحياة؟
لست أدري…

ما أكثر ما تداولنا المسلّيَّ من متعٍ و فكاهات … أرقـُبـُها وهي تلعب… فأتيه في وديان حبي… و لكني أرى هذه الوديان قد فارقت نـُضرتـَها، و عبثت بها يدُ الردى، و لم يبقَ فيها قيد أصبعٍ إلا و فيه معالم موت… أهذه الوديان التي قد أينعت من قبلُ و طاب جناها؟ أهذه الوديان التي قد أشرقت بأزاهير الأمل؟!

مازلتُ أرقب لعبها… أريد أن أعيد لهذه الوديان شبابها… أريد أن أعيد لها… الحياة!!!
أخذتُ بذور الأمل من بسمة من أهوى… زرعتـُها في تربة قلبي… إنها تزهر!! لكن… لكنها ما إن تنتهي تلك البسمة حتى تذبل هذه الأزهار فجأةً و تمـّحي… فأقول لنفسي دعيني من الابتسام و تزودي من تللك النظرات التي طالما أسكرتني… و تعيد تلك النظرات لينابيع فؤادي ماءَها… و تعود الأنهار…
و لكن… ما إن أبعدُ نظري عن مهبط حبي حتى تجفّ الينابيع و ينضبُ ماؤها…

آه… يبدو أن حياتي أصبحت أوهام، أو ربما أضغاث أحلام…
ذقتُ من حلاوة هذه الأحلام ما جعلني أحثُّ السير و راءها و لا أراها إلا تزداد بـُعداً… لكني كنتُ آمل… لم أكن لأدري أنه سيأتي يوم لن تبتعد فيه الأحلام و حسب، بل ستمـّحي نهائياً… آآآه
و يعود الليل… أودعها مجددأً… و أنام… و أنى لي النوم!
إنها معي حتى في منامي و أحلامي… أميرةً على مملكةٍ ليس فيها سوى شخص واحد… لكنه شخص و سع الدنيا بأكملها… و سعها بأمانيه و أحلامه و ……. و بحبه لامرأة لم تلد الأرحام من هي أشدُ بهاءاً منها… إمرأةٌ يـُهزم معها – و من أول جولة – : الجمال و الحسن و الدلال…

أجل ما هذه الآلام إلا ذلك المخاض الذي سيعقبه ولادة السعادة بإذن الله…

كم جلست في عالمي وحيداً… و تجمعتْ أحزاني دموعاً… و… و أرى و جهها…فأشعر أن همي و غمي قد اضمحلا أمام هذا الوجه، و عادت إلى أفعالي بهجتـُها، و نسيت العذل… و نسيت كل شئ في الدنيا…
ما عدت أعرف سواها بل أصبحتُ أنكر كل شئ سوى طلعتها…
ما عدتُ أنا و لكن أصبحت هي[1]… و لست أدري إن كان سيأتي عليها يوم تصبح فيه: أنا!!!
و ألقي نفسي بين أحضان هذا الوجه أبثه شكواي فيمسح بيمين لطفه تلك الآسقام و يزيل ما بي من أوجاع فتنبسط أساريري و تعود لنفسي فرحتها .. و أنسى …

و مرت أيام كنتُ فيها ميـّت و لئن تبسمت!!
ميـّت و لئن تكلـّمت!!
ميـّت و لئن صرخت!!

لكني نسيت… و مرت أيام أخرى… و ازددتُ نسياناً… و تمر أخرى فأنسى… و أنسى …

لكني إن أنسَ لا أنسَ رؤيتها في أمسيتنا الأخيرة…
لقد رأيتها و الحسنُ يفيض منها..
ويْ كأني أزداد امتحاناً..
رأيتها… تجاهلت..
أمرني القلبُ…
هممتُ… هممتُ أن أصيح……


لقد نسيت……….

________________________________

[1] أعوذ بالله

2 thoughts on “ذكريات”

  1. المقالة جميلة، ولكن هناك بعض التكلف في بعض الوصف والتشبيهات. بشكل عام أسلوب جميل يعطيك العافية

    Reply
    • شكراً لمرورك أخي الكريم. أوافقك الرأي و لكن هذه المقالة كتبتها منذ زمن طويل كنت فيه يافعاً و قد وضعتها هنا كما هي دون تعديل

      Reply

Leave a Reply

Discover more from Mohamad Al Karbi

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading